## السينما اللبنانية في مواجهة شبح الحرب: عشرة أفلام ترسم خرائط الوجع والذاكرة
تركت الحرب الأهلية
اللبنانية (1975-1990) ندبة عميقة في نسيج المجتمع وذاكرته الجماعية، جرحاً لم
يندمل تماماً رغم مرور العقود. وفي مواجهة محاولات التعتيم أو التبسيط، برزت
السينما اللبنانية كأداة حيوية ومقاومة، لا لتوثيق الأحداث فحسب، بل لاستكشاف
الأعماق النفسية وتداعيات الصراع الإنسانية التي غالباً ما تغفلها السرديات
الرسمية. لقد تجرأت الكاميرا اللبنانية على الغوص في هاوية المأساة، مقدمةً شهادات
بصرية وشعورية تتجاوز حدود التأريخ لتلامس جوهر التجربة الإنسانية في ظل العنف
والتشظي.
![]() |
## السينما اللبنانية في مواجهة شبح الحرب: عشرة أفلام ترسم خرائط الوجع والذاكرة |
تقدم عشرة أفلام مختارة
بانوراما مؤثرة لكيفية تعامل السينما اللبنانية مع هذا الإرث الثقيل. لم تكتفِ هذه
الأعمال بنقل الوقائع، بل استنطقت الصمت، وواجهت المحرمات، ورسمت خرائط للوجع
الفردي والجماعي، مسلطة الضوء على مواضيع الذاكرة المفقودة، والخيانة، والتعايش الهش،
ومحاولات المصالحة المتعثرة.
**مواجهات مبكرة مع العبث والانهيار**
.jpeg)
في قلب العاصفة، جاء فيلم **"حروب صغيرة" (1982)** للمخرج الرائد مارون بغدادي ليقدم تأملاً سينمائياً مبكراً في الجنون المحيط.
لم يسع الفيلم لتفسير الحرب بقدر ما راقب بصمت أثرها المدمر على النفس البشرية، مركزاً على هشاشة الفرد وعجزه أمام انهيار يومي شامل، بعيداً عن البطولات الزائفة. وبعد سنوات قليلة من انتهاء القتال الرسمي، جاء **"الإعصار" (1992)** لسمير حبشي كصرخة بصرية جريئة تواجه الخراب مباشرة.
- مستلهماً الحس التراجيدي للسينما السوفياتية
- حوّل حبشي بيروت إلى مسرح للكابوس
- متابعاً رحلة شاب وسط وطن يتفكك
- حيث كل فرد يحمل إعصاره الداخلي الخاص.
**ذاكرة المراهقة والمنفى**

بينما مالت الذاكرة الجماعية للنسيان، أعاد زياد دويري في **"بيروت الغربية" (1998)** رسم الحرب من منظور المراهقة،
مستكشفاً كيف تسللت الفوضى والانقسام إلى تفاصيل الحياة اليومية، ودهشة الاكتشافات الأولى في عالم منقسم. الفيلم، بروح لبنانية ساخرة وحزينة، يطرح أسئلة الهوية والحب والموت بعيون شابة. وعلى نحو مشابه، تناولت دانيال عربيد في **"معارك حب" (2005)** الحرب كظل خفي يؤثر في أدق تفاصيل الحياة الأسرية والشخصية لفتاة تكتشف العالم وسط التوتر، مؤكدةً أن الصراع لا يقتصر على الجبهات بل يتغلغل في البيوت والنظرات الصامتة.
- أما برهان علوية في **"رسالة من زمن المنفى" (1990)**، فيقدم رؤية مغايرة تركز على ما بعد
- المعارك، مستكشفاً تجربة المنفى والضياع الداخلي وفكرة الوطن المستحيل من خلال رحلة ذاتية
- متشظية في مدن أوروبية باردة. وبطريقة مختلفة، يلامس جوزف فارس في **"زوزو"
- (2005)** ثيمة المنفى عبر قصة طفل مهاجر ممزق بين ثقافتين، حيث تظهر الحرب كصدى بعيد
- يؤثر في تشكيل الهوية.
**مواجهة الماضي الاعتراف والصمت**
.jpeg)
اتخذت بعض الأفلام مساراً وثائقياً مباشراً وصادماً. فيلم **"مَقاتل" (2005)** لمونيكا بورغمان ولقمان سليم وهرمان تايسن،
يقدم مواجهة قاسية مع مرتكبي مجازر صبرا وشاتيلا. عبر اعترافات مباشرة، وبغياب أي تعليق أو موسيقى، يعرّي الفيلم الحقيقة ويستفز مخيلة المشاهد، فاتحاً أسئلة مؤلمة حول الذنب والذاكرة والعدالة. وبأسلوب وثائقي مختلف.
- يقدم سيمون الهبر في **"سمعان بالضيعة" (2009)**
- شهادة مؤثرة عن التشبث بالأرض ومعنى البقاء في قرية مهجرة
- مجسداً الحرب في الصمت
والبيوت الفارغة، ومتأملاً هشاشة المصالحة الطائفية غير المكتملة.
**العنف المتجذر والمصالحة المتعثرة**
.jpeg)
في **"رصاصة طايشة" (2010)**، يربط جورج هاشم ببراعة بين عنف الحرب الأهلية عام 1976 والعنف المستبطن داخل الأسرة والمجتمع،
مصوراً قصة فتاة محاصرة بين التقاليد ورغبة الهرب، ليؤكد أن العنف ليس مجرد حدث خارجي بل سلوك يستوطن العلاقات والحياة اليومية. وأخيراً، يضع فيلم **"ليالٍ بلا نوم" (2012)** لإليان الراهب شخصيتين في مواجهة رمزية:
- قيادي سابق معترف بجرائمه (أسعد شفتري)، وأم لا تزال تبحث عن ابنها المفقود (مريم السعيدي).
- الفيلم لا يقدم حلولاً سهلة، بل يطرح أسئلة جوهرية حول جدوى الاعتراف، عبء الذاكرة، وإمكانية
- المصالحة في بلد لا تزال ليالي حربه الطويلة تلقي بظلالها
على الحاضر.
الختام
تشكل هذه الأفلام
العشرة، بمقارباتها المتنوعة وأساليبها المتباينة، جزءاً أساسياً من الأرشيف
البصري والشعوري للبنان الحديث. إنها ليست مجرد أفلام عن الحرب، بل عن وقعها
الدائم في النفوس، وعن ضرورة المواجهة السينمائية لذاكرة مثقلة بالجراح والأسئلة،
كمقاومة ضرورية ضد النسيان وسعياً نحو فهم أعمق للذات والجماعة في مواجهة المأساة.
.jpeg)